ربما أول ما قرأته من كتابات يحيى حقي كان فى كتاب ليس من تأليفه، مددت يدي ذات مساء إلى مكتبة والدي، فى ركن تتجاور فيه روايات صنع الله إبراهيم مع أعمال هيمنجواي وفيرجينيا وولف وماكس فريش، وانتقيت من بينها رواية «تلك الرائحة» لصنع الله. فى مقدمتها يحكي الكاتب عن ملابسات تأليفه للرواية عقب خروجه من المعتقل، حيث تعرف على يحيى حقي عقب إطلاق سراحه فى 1964، “ذهبت إليه فى مجلة (المجلة) التى كان يرأس تحريرها، فاتحًا أبوابه أمام كافة الكتاب، والجدد منهم بوجه خاص، تاركًا المكتب الخشبي الثمين الذي يتصدر غرفته، مكتفيًا بمقعد جلدي مريح إلى جانبه”، يومها عرض عليه صنع الله مقالًا له ووافق يحيي حقي على نشره وحصل صنع الله جراء ذلك على عشرة جنيهات تكفلت بنفقاته لشهر كامل!

ثم ذهب إليه ذات يوم لاحق بنسخة من روايته الأولى «تلك الرائحة» فتناولها حقي بحفاوة بالغة وقال مجاملًا “إن الغرفة أوشكت أن تعبق بالعبير الزكي الذي يفوح منها”، إلا أن يحيى حقي غيّر رأيه المجامل هذا عند قراءة الرواية حيث شعر بشئ من التقزز من وصف الروائى لأدق التفاصيل الخاصة بتجربته مهما كانت منفرة أو مثيرة للاشمئزاز، وكتب ذلك النقد فى مقال نشره بجريدة المساء. أورد صنع الله جزءًا من هذا المقال فى مقدمة كتابه، وربما كان هذا الجزء هو بداية قراءتى ليحيى حقي. وعلى الرغم من أننى أختلف مع رأي حقي فى الرواية، حيث أنى أحببتها بكل تفاصيلها، إلا أننى احترمت صدقه مع نفسه ومع قارئه ومع الكتاب الآخرين، دون أن يؤثر هذا على طاقته لفتح الأبواب لهذا أو لذاك.

كنت أعرف يحيي حقي قبل ذلك بالطبع، تحديداً عبر فيلم «قنديل أم هاشم»، فالسينما كما نعلم تفتح لنا أبوابًا للمعرفة بكتاب وموسيقيين وتشكيليين وفنانين منتميين لأجناس الفن الأخرى كافة، ولكنها أغلب الظن معرفة قاصرة، تعرض لنا زاوية محدودة للرؤية، وعلينا أن نكمل البحث بأنفسنا إن أردنا، وأن نفتح الأبواب التى تناسبنا حتى نصل إلى قدر مناسب من المعرفة.

***

بدأ يحيي حقى فى نشر قصصه فى عام 1926، إلا أن أول مجموعاته القصصية تأخرت لفترة كادت تصل إلى عشرين عامًا، حيث أصدر مجموعة «قنديل أم هاشم» فى 1944، وكان للرقم خمسة حظ مع يحيي حقي حيث نشر على مدار حياته خمس مجموعات قصصية، وحُولِت خمس من قصصه إلى أفلام، وربما كان للتليفزيون النصيب نفسه، أى خمسة أعمال، بين مسلسلات وسهرات، هذا بالإضافة لرواية واحدة والعديد من المقالات والكتب النقدية والنظرية.

اللافت للنظر أن ثلاثة أفلام من الخمسة ظهروا فى عام واحد، 1968، بينها الفيلمان الأهم والأكثر شهرة، «قنديل أم هاشم» و«البوسطجى»، إضافة إلى الفصل الثالث فى فيلم «3 قصص»، وكأن صناع السينما انتبهوا ليحيى حقي فجأة في هذا العام، هذا على الرغم من أن هذه القصص نشرت قبل سنوات عديدة، فأحدثها صدرت قبل ثلاثة عشر عامًا من الأفلام،  أعقب هذه الموجة إنتاج فيلمين آخرين أقل شهرة فى السبعينيات، ثم أهملته السينما مرة أخرى.

***

ثمة ما يجمع قصتى «قنديل أم هاشم» و«البوسطجى»، فكل منهما تمثل رحلة رجل من مجتمع ما إلى آخر مغاير، وترصد صدمته عند احتكاكه بمجتمعه الجديد، ففي الأولى نتتبع رحلة إسماعيل من بيئته الشعبية فى السيدة زينب إلى أوروبا، ثم العودة إلى مسكنه الأول مرة أخرى. ينبهر إسماعيل بالغرب وبعالم العلم والحرية ويتشكل بشاكلته ثم يعود إلى وطنه كشخص جديد بالكلية فيصدم بالجهل المستشري وما يصاحبه من مرض وفقر، ينفر من بيئته الأولى ويمقتها ويكاد يهرب منها، وكذلك عباس «البوسطجي» يشاركه صدمة مشابهة عند انتقاله من القاهرة إلى قرية معزولة فى الصعيد، غير أن النهايات مختلفة، فإسماعيل فى «قنديل أم هاشم» يصل إلى صيغة توافقية مناسبة للتعايش مع أهله ومجتمعه وأهالي منطقته، حيث لا يجعل من علمه نقيضًا لمعتقداتهم، بل رفيقًا لها، على عكس البوسطجي الذي يظل على حالة الرفض للقرية الصعيدية التى انتقل لها.

لقطة من «قنديل أم هاشم»

 نرى فى هاتين القصتين تنوع الأماكن ما بين السيدة زينب وأوروبا وأسيوط وكفر النحل، وهى كلها أماكن مر بها يحيى حقي نفسه، أو بأشباهها، وربما مر أيضُا برحلات فكرية كالتى اختبرها أبطاله، فبدا قادرًا على استعراضها فى قصصه وتحليلها. يقول د.صبري حافظ فى كتاب «مرايا يحيى حقي» “وحتى يستطيع يحيى حقي تصوير التنويعات الخصبة على الشخصية المصرية، فإنه يركز عالمه جغرافيًا على عالمين أساسيين، أولهما حي السيدة زينب الشعبي فى مدينة القاهرة، وهو الحي الذى نشأ فيه وخبر تفاصيل الحياة به وإيقاعاتها(..) وثانيهما القرية فى صعيد مصر حيث عمل فى بداية حياته الوظيفية (..)، ومن خلال هذين العالمين استطاع أن يقطر بالفن روح مصر، وأن يسبر تيارات حياتها التحتية اجتماعيًا وروحيًا وفلسفيًا.”

كتب الروائي صبري موسى السيناريو والحوار لفيلم «قنديل أم هاشم»، وقدمه فى شكل محكم ومتقن وملتزم بخط القصة الأساسي، على الرغم من أن حقي رأى أن تحويل القصة إلى فيلم مهمة غير يسيرة لافتقار قصته للمشاعر العاطفية التى يستند إليها العمل السينمائي، حيث تركز نظرته –أى حقي- على الفكر من جانب والغريزة من جانب آخر.  أضاف صبري موسى بعض التفاصيل والخيوط للقصة الأصلية دون أن تخل بها أو تفسدها، كالإشارة إلى نفوذ الباشوات والفساد والوسائط، أو كإضافة مشهد الزار الذى تقيمه الأم لابنها الطبيب العائد من أوروبا مما يزيد من صدمته فى هذا المجتمع الجاهل المتخلف، وأخيرًا أجرى صبري موسى بعض التعديل على نهاية الفيلم فبدت نهاية الفيلم أقرب للواقعية من القصة التى كانت نهايتها أكثر رمزية، على كل كانت الإضافات والتعديلات البسيطة موفقة جدًا وصبت فى مصلحة العمل وفكرته فى شكله النهائى، وربما عكست بعض الاختلاف الرؤيوي بين جيلين، جيل يحيى حقي وجيل صبري موسى.

 ولكن ما بدا لافتًا حقًا هو المستوى الباهر الذى أظهره المخرج كمال عطية، واصلًا إلى مستوى شخصي غير مسبوق من الإبداع والتمكن، على الرغم من أنه فيلمه السابع عشر! استطاع عطية أن يجسد فى المشاهد الأولى من الفيلم أجواء جامع السيد زينب ومَن فيه مِن مريدين ودراويش ومجاذيب، وبرع ف تصوير محيط المسجد الخارجي وقاعته الداخلية رغم صعوبة هذا الأمر، فصنع لوحة مكتملة التفاصيل، ليس هذا فحسب، بل إننا نرى قدرته على رسم كادرات معبرة تعكس علاقات الشخصيات بالمكان والأحداث دون تكلف زائد، مما أضاف للفيلم ترجمة بصرية لرؤيته الفكرية عبر استخدام متقن لتكوين الصورة والتلاعب بالإضاءة والظلال، هذا باستثناء الجزء الذى تدور أحداثه فى ألمانيا حيث اكتفى فيه عطية بتصوير الشوارع الواسعة النظيفة الخالية من التزاحم وعلامات الفقر مظهرًا التناقض بينها وبين حوارى يحيى حقي وشوارعه. وفى النهاية أضاف فؤاد الظاهرى بموسيقاه المزيد من التعبير عن البيئة الشعبية التى تدور فيها الأحداث عبر موسيقى تصويرية مستمدة من هذا المجتمع وفنونه، فساهم فى استكمال صورته والتعبير عنه.

إلا أن هذا التصوير الواقعي لشوارع السيدة زينب وللقرية ولألمانيا، لم يمنع المخرج من إضافة بعض اللمسات التعبيرية، وهو ما يبرز فى مشهد حلم الأب الذى يرى ابنه (شكري سرحان) محوطًا بفتيات أوروبيات ذوات أجساد شبه عارية، كما تظهر بينهن بنت عمه وخطيبته فاطمة (سميرة أحمد) فى هيئة تماثلهن ولكن بجسد كارتوني غير حقيقي، وكذلك فى المشهد الذي يرى فيه إسماعيل سورًا يرتفع أمامه صفًا صفًا حتى يحجب عنه الرؤية، ثم يسقط السور وينهدم فى لحظة واحدة فى مشهد رمزى واضح التأويل.

***

 فى 1965 قام المخرج الشاب حسين كمال بإخراج أول أفلامه «المستحيل»، واحتفى به يحيى حقي حين عرضِه عبر مقال نشره فى مجلة (التعاون) حتى إنه كتب فى شئ من المبالغة التى أظنه كان صادقًا فيها مع نفسه “إن الأستاذ حسين كمال جدير بكل تهنئة، وأستطيع أن أشهد أن فيلم المستحيل هو بفضله أول فيلم مصري يبلغ فيه الفن السينمائي المستويات العالية الرفيعة.”

 بعد حوالي ثلاثة أعوام قام حسين كمال بإخراج ثاني أفلامه وهو فيلم «البوسطجي» والذي كتب له السيناريو صبري موسى أيضًا، عن القصة الطويلة أو النوفيلا المنشورة بالاسم نفسه فى مجموعة «دماء وطين»، كان يحيى حقي قد كتب تلك القصة فى أوائل الثلاثينيات ومزج فيها بين تجربته الواقعية بعمله كمعاون نيابة فى صعيد مصر ومعاينته لجرائم الشرف بنفسه، وبين خياله الروائى المتمثل فى إضافة العقدة للقصة عبر البوسطجي الذى يتورط فى أزمة الحبيبين من خلال فضه للخطابات واطلاعه على ما فيها حتى أصبح دون إرادة منه محركًأ للأحداث.

بدا حسين كمال فى فيلمه الأول «المستحيل» – المأخوذ عن رواية مصطفى محمود- متأثرًأ إلى حد كبير بأفلام الواقعية الإيطالية الجديدة، إضافة إلى بعض لمسات أجنبية أخرى، غير أنه فى «البوسطجى» استطاع أن ينتقل من أجواء قاهرية شبه أوروبية إلى بيئة قروية صعيدية فى أحد الكفور الصغيرة، وكان مفاجئًا فى مدى إتقانه واستحضاره لتلك الأجواء عن طريق الاهتمام بإبراز أدق التفاصيل، الذباب المتطاير حول الوجوه، الجو الحار الذى يبدو فى تعرق الأبطال الدائم، النواح حول البهيمة الميتة، جفاف المشاعر وحدة التعامل وطريقة الكلام، ولا أقصد بذلك اللهجة الصعيدية، إنما أقصد الإيقاع و(التون)، وفاجأنى فى هذا الإطار أداء حسن مصطفى بشكل خاص.

وكذلك رسم المخرج صورة معبرة لاغتراب البوسطجى وعزلته فى غرفته، يجلس وإلى جواره السبرتاية وأكواب الشاي وبجوارها زجاجة الخمر على ضوء لمبة جاز، بينما تبدو فى الخلفية صور النساء الأجنبيات التى يحتفظ بها لتؤنسه فى وحدته. هكذا استطاع أن يعبر المخرج عن الجو الخارجي العام من جانب وأزمة البطل من جانب آخر، وكذلك استعان حسين كمال بفؤاد الظاهري الذي استخدم موسيقى الطبول فى المشاهد التى تمثل تصاعد الإثارة الجنسية بين الأبطال سواء عباس (شكري سرحان) مع الغازية (سهير المرشدي)، أو سلامة (صلاح منصور) مع الخادمة، ولكنه لا يستخدم الموسيقى ذاتها فى المشهد الذي يجمع المراهقين المحبين، فالأمر هنا أكثر عاطفية ورومانسية، ويختلف فى ذلك عن المشهدين الأوليين المفعمين بالمشاعر الغريزية.

غير أن بعض  النقاد رأوا فى الفيلم تأثرُا أو ربما اقتباسًا من فيلم «زوربا»، وهو ما لم ينكره حسين كمال وقال أنه توقع هذا الاتهام، إلا أنه رأى أن بعض التكوينات البصرية ستمثل إضافة جمالية للفيلم فقرر ألا يضحي بها بغض النظر عن ردة الفعل النقدية المنتظرة.

لقطة من «البوسطجي»»

  وعلى عكس «قنديل أم هاشم» أجرى صبري موسى العديد من التغييرات على قصة يحيى حقي، بداية من ترتيب الأحداث، حيث يبدأ حقي قصته من نقطة بالقرب من نهايتها ويعود للحكي بطريقة (الفلاش باك)، إلا أن الفيلم يعيد ترتيب القصة زمنيًا، وكذلك يغير الكثير من طباع سلامة، والد الفتاة المراهقة المتورطة فى علاقة الحب، فبدا فى الفيلم أكثر قسوة وعنفًا، كما تم تعديل الكثير من تفاصيل قصة الحب التى جمعت المراهقين، جميلة وخليل.

وبسبب هذا الاختلاف بين الفيلم وأصله الأدبي تعددت الآراء التى تناولت الفيلم بين محتفٍ ومهاجم، إلى أن كتب يحيى حقي مقالًا فى جريدة المساء ليعبر عن رأيه فى الفيلم، وبدأ مقاله بأنه ملّ من كثرة سؤاله عن رأيه فى فيلم «البوسطجي» ولذا فهو ينوي أن يحتفظ بنسخة من هذا المقال فى جيبه ليعرضها على كل من سوف يسأله هذا السؤال. بشكل عام كان المقال ايجابيًا وأنصف فيه حقي صناع الفيلم ورؤيتهم، كما أشاد بالتعديلات التى جرت على القصة، غير أنه سجل فى نهاية مقاله ملاحظات قليلة، يبدأها بتحذير المخرج من الإفراط فيما بعد فى البحث عن إبهار الأجانب مما قد يدفعه إلى المبالغة فى الخلق والتحفلط، ثم يعبر حقي بشكل غير مباشر عن عدم رضاه التام عن نهاية الفيلم التى عرضت مقتل الفتاة بشكل دموي واضح وصريح فى مشهد درامي عنيف، وأنه كان من الممكن الاكتفاء بالإشارة إلى الحادثة عبر دقات أجراس الكنيسة المعبرة عن الموت، كما أنهى هو قصته.

***

فى العام ذاته، 1968، أخرج إبراهيم الصحن أول أفلامه «إفلاس خاطبة» وهو القصة الثالثة ضمن فيلم «3 قصص»، كان الجزء الأول عن قصة لنجيب محفوظ والثاني ليوسف إدريس وجاء الجزء الثالث مأخوذًا عن قصة قصيرة وخفيفة ليحيى حقي تحمل الاسم نفسه فى مجموعة «أم العواجز»، وكذلك خرج الفيلم كوميدي الطابع بطاقم تمثيلي يضم على رأسه الصديقين اللدودين عبد المنعم إبراهيم وعبد المنعم مدبولي والفنانة سميحة أيوب فى دور الخاطبة.

***

فى مطلع السبعينيات كتب صبري عزت وفيصل ندا سيناريو فيلم «امرأة ورجل» عن قصة ليحيى حقي بعنوان «أبو فودة»، كانت نشرت للمرة الأولى فى مجلة السياسة عام 1933، قبل أن تضمها مجموعة «دماء وطين» مع قصة «البوسطجي»، وقام حسام الدين مصطفى بإخراج الفيلم، واختاروا أن يغيروا اسم القصة إلى «امرأة ورجل» على خلفية نجاح الفيلم الفرنسي «رجل وامرأة» لكلود ليلوش قبل خمسة أعوام.

كان حسام الدين مصطفى غزير الإنتاج بشكل مثير للاستغراب، فأخرج خلال خمسة عشر عامًا ما يزيد عن الأربعين فيلمًا، أغلبها أفلام تافهة دون قيمة تذكر، ولكنه بين كل مجموعة من هذه الأفلام كان يقدم فيلمًا جيدًا أو مهمًا مثل «الطريق» و«النظارة السوداء» و«السمان والخريف»، هذا فى طوره الأول، قبل أن يفقد هذه الميزة وتقتصر أعماله على المزيد والمزيد من المبالغات والتفاهة، ولذا فمع مشاهدة «امرأة ورجل» تشعر أنه كان مشروعًا مبشرًا لفيلم جيد جدًا، حيث يتشارك مع أفلام حقي السابقة فى القدرة على تمثيل بيئة مختلفة، وهى هنا قرية بجوار جبل به أحد المحاجر، فنتنقل بين المكانين ونرى صورة لموقع مغاير عن السائد فى السينما المصرية. اهتم حسام الدين بإظهار تفاصيل العمل فى المحجر وطباع عماله كما وصفها حقي فى قصته المميزة، ولا أستطيع أن أغفل الدور البديع الذى قام به توفيق الدقن حيث أتاح له الفيلم مساحة لإظهار جزء من موهبته غير المستغلة،  فتفوق على بطلي الفيلم رشدي أباظة وناهد شريف، رغم أدائهما الجيد، إلا أن الفيلم ينزلق فى ثلثه الأخير إلى عالم حسام الدين مصطفى، سواء بإضافة مشاهد الرقص والإثارة الحسية بشكل مكرر ودون داعٍ واضح، أو بالمبالغة فى أداء رشدي أباظة فى مشاهد الفيلم الأخيرة، إضافة إلى سوء تنفيذ مشهد الحادث الذى يتعرض له إسماعيل (توفيق الدقن) قبيل نهاية الفيلم، حتى أننى أكاد أجزم أن المشاهد لن يفهم ماذا حدث بالضبط فى هذه الحادثة إلا إذا قرأ القصة.

كتب سامي السلاموني مقالًا قصيرًا عن هذا الفيلم عند عرضه بعنوان (المخرج الذي قال لا)، وأظننى أتفق مع أغلب ما ذهب إليه السلاموني على غير العادة، فهو يقصد بالعنوان أن المخرج هنا كان على وشك أن يصنع فيلمًا مهمًا وفارقًا ولكنه أبى وقال لا!

أما آخر أفلام يحيى حقي فهو فيلم تليفزيوني قليل الشهرة وذو جودة أقل من المتوسطة اسمه «مصيدة الحب والزواج» للمخرج سعيد عبد الله وعن قصة بعنوان «كنا ثلاثة أيتام» المنشورة ضمن مجموعة «قنديل أم هاشم».

***

كتب يحيى حقي فى مقدمة إحدى مقالاته فى جريدة المساء بعام 1962 “يهيم زائر حدائق الملاهي بالوقوف طويلًأ أمام المرايا المقعرة والمحدبة، وحين يرى نفسه قزمًا مكورًا أو عملاقًا نحيلًا يضحك ملء شدقيه بلذة هى خليط من السرور والدهشة، ولعله ينصرف وهو راضٍ بقسمته وشاعر بأنه قد تطهر. وسبب هذا الهيام ميل غريزي فى الإنسان لرؤية وجهه فى مرآة ناقدة، وحبذا لو كان النقد كاريكاتوريًا فإنه يطعن ولا يجرح.”

أعتقد أن ما ورد فى هذه الفقرة هو ما دأب يحيى حقي على فعله فى أغلب قصصه، سواء بشكل ساخر كما أشار أو بشكل أكثر حدة ودرامية، وهو ما انعكس على الأفلام الخمسة المأخوذة عن قصصه، فبدا وكأنه يضع لنا المرايا فى كل مكان، فى السيدة زينب وفى القرية وفى الصعيد وفى قلب القاهرة، لنرى أنفسنا وعيوبنا بعيون فاحصة وتحت أضواء القناديل.

 

مشاركة: