في هذه الأيام تحديدًا، وقبل بدء الموسم الرمضاني من كل عام، دائمًا ما تظهر أسئلة كثيرة على السطح حول أحقية الحكم على العمل قبل مشاهدته، أو حتى الأخذ بترشيحات ناقد لمجموعة من المسلسلات دون غيرها، ا ستنادًا على عدم أحقية أي شخص بالحكم على عمل فني لم يُشاهد بعد، وبالفعل هو منطق يحمل شيء من الوجاهة، بل واحترام لماهية الفن وبناء الأعمال الفنية، وعدم اقتطاع جزء من الكل للحكم الكامل، ولكن، ودون الإسهاب في التنظير، إليك عزيزي القارئ بعض من الصلاحيات المشروعة لإبداء توقعاتك بل وترشيحاتك، التي لا تقلل من قيمة العمل الفني، بل هي في ذاتها إحترام لكافة أجزائه، ووعي بأهميتها:
بداية، ووفقًا لنظريات التلقي الخاصة بالجمهور، هناك مصطلح يخص الجمهور بشخصه يعرف بـ “أفق التوقع” وهو عبارة عن تلك التوقعات المشروعة والمسموحة للمتلقي قبل بدء الأحداث الدرامية، ويستند هذا المصطلح على مجموعة محاور:
١. خبرة المشاهدة السابقة، حيث مرور المتفرج على العديد من الموضوعات المشابهة التي تجعله يتوقع من الملخص العام للأحداث أو الإعلان التشويقي مدى قدرة جذب العمل له، أو تكراره أو تشابهه مع آخر سابق.
٢. ثقافته، خبراته، وهي تتسق مع المحور السابق، بصفتها عنصر يجعله يتوقع سير الأحداث بشكل ما إذا كان تعرض لبناء مشابه سواء في حياته، أو عن طريق مشاهداته السابقة، أو خليط بين هذا وذاك.
٣. متابعته الجيدة لأسماء فريق العمل: أي قدرته على توقع طريقة الإخراج أو الكتابة، من سابقة أعمال المخرج أو الكاتب، أو حتى من سابقة اختيارات الممثل/ة، خاصة إذا كان غير متنوع يميل إلى قالب محدد، يجعل أفق التوقع في مستواه الطبيعي دون السعي لكسره، أو إذا كان متنوعًا غير محدد بشكل وإطار يحجمه، ليخلق حالة من التشويق، نظرًا لميل المتلقي دائمًا لكسر هذا الأفق، سواء أكان من طاقم العمل، أو من بناء الأحداث داخل الدراما..
وعلى ما يبدو أنه قد حدث بالفعل إسهاب لا بأس به في شرح النظرية، ولكن كل ذلك بهدف طمأنة المشاهد/ القارئ، على أحقيته الكاملة في التوقع واختيار قائمة تناسبه، وقبل التوجه لقائمة مسلسلات هذا العام، يجب الإشارة إلى أن (بوستر العمل، الأغاني الدعائية، الإعلان التشويقي) جميعها عناصر تمثل جزء من الكل، لكنها في ذاتها عمل فني، له بداية ووسط ونهاية، حيث الأغاني وما تحويه من كلمات وألحان وتوزيع وتصوير أحيانًا، هي عمل يمكن الحكم عليه، وتصميم البوستر كذلك بما فيه من ألوان وكتابة أسماء تختلف أحجامها، ووقفات الممثلين فيها، بين مقدمة ووسط وخلفية، كلٌ وفقًا لدوره وأهميته في الحدث، والـ “برومو” بين اختيار أحداث وجمل حوارية دون غيرها وظهور لبعض أكثر من غيرهم، وتصميمه كاملًا بصفته عملًا منفصلًا متصلًا يحقق نسب مشاهدة بذاته، وأخيرًا “تتر” المسلسل أيضًا يقع تحت مظلة هذه الأعمال، بل ويحوي أكثر من عمل داخله “غناء، تمثيل، تصميم، ترتيب أسماء”.
كل منهم عناصر جذب، وأعمال تساعد في بناء هذا الأفق، وكفى من التنظير إلى هذا الحد، أعتقد أن الاطمئنان عم في كافة أرجاء المقال حتى قبل بدئه بشكل فعلي، وربما هذا هو أفق توقع المقال نفسه، قبل الانخراط في تفاصيله..
استثمار النجاح
هناك مجموعة من المسلسلات تضمن تواجدها والفرجة عليها هذا الشهر، نظرًا لما حققته من نجاحات سابقة على مدار أعوام، منها: (المداح، كامل العدد، أشغال شقة، جودر، العتاولة) حيث قياس مدى رضاء الجمهور، ومن ثم محاولة خلق أحداث جديدة، لاستثمار النجاح السابق. ووفقًا للقاعدة فالأجزاء الثانية للأعمال عادة ما تكون داخل الحسبة بداية من عرض الجزء الأول، نظرًا لأفكار الكاتب وبناء شخصياته الذي يحمل تفاصيل جديدة يريد تقديمها، ولكن دعنا نتفق يا عزيزي أن القواعد تنكسر بكل أريحية، بل ولكل عمل تفاصيله الخاصة. فمثلا «المداح» على سبيل المثال، ربما عند عرض جزئه الأول، لم يكن في الخطة إنتاج أجزاء تالية له، إلا بعد قياس مدى تقبل الجمهور لهذا النوع الدرامي، وبعد النجاح، وإنتاج الجزء الثاني وضعت بالفعل خطة لوجوده كل عام، وبالتالي أصبح كتابة كل جزء مبنية على أحداث وشخصيات تحتمل ذلك.
ينطبق الأمر أيضًا على «كامل العدد»، الذي يقوم على بناء درامي رحب، يتيح التعمق داخل شخصياته وخلق مساحات جديدة للسرد. صحيح أنه استند في بدايته إلى ثيمة فيلم «عالم عيال عيال»، لكنه تجاوزها بمرور الوقت، خاصة مع تركيزه على عنصر “الجيل الجديد” واهتماماته ومشاكله، وبالتالي فهو عمل يسع العديد من الأجزاء بالفعل.
وهو الحال نفسه مع «أشغال شقة جدًا» واستناده على فيلم «صباح الخير يا زوجتي العزيزة»، ومن ثم التطوير من الفكرة، التي من الممكن أن تصنف “لا نهائية”. فلا يوجد حدود لتنوع شخصيات “الخادمات” وبالتالي لا توقف عن خلق المواقف الكوميدية التي تمثل صلب دراما العمل.
أما عن «جودر» الذي حقق نجاحًا لافتًا في رمضان العام الماضي، فقد تميز بكتابة قوية تستعيد عالم ألف ليلة وليلة الذي اشتاق الجمهور له، مع إخراج من إسلام خيري يعي ماهية العمل القائم على بناء عوالم مغايرة، والمعتمد على المؤثرات البصرية. كما حمل المسلسل حسًا نوستالجيًا من مسلسلات قديمة، واشتبك مع المسرح في طريقة كتابته وتقديم شخصياته، المستندة في أساسها على: الزمن، والحكايات كقوام للدراما، وهي عناصر قوية يمكن تطويرها بالفعل إذا كان هناك نية لكتابة جزء جديد.
لكن، وفقًا لما صرّح به بطل العمل، لم يكن صناع المسلسل على القدر الكافي من الحماسة أثناء التصوير، خشية عدم تقبل الجمهور للمعالجة، إلى جانب عدم وجود مساحة واضحة له وسط أعمال الموسم الماضي. ونتيجة لذلك، قُسّم المسلسل المكتمل (30 حلقة) إلى جزأين، حيث عُرض النصف الأول فقط لقياس ردود الفعل، وتأجل النصف الثاني لضمان حضور أقوى هذا العام. وفي حقيقة الأمر، فإن مثل هذا القرار بمثابة تدمير لبنية الحدث، حيث بناء الأجزاء شيء والعمل المكتوب والمنتهي بصفته جزء واحد شيء ٱخر، وانقسامه وعرض الباقي منه ما هو إلا فقدان لهوية العمل، بل وفقدان لشريحة مهمة أيضا من الجمهور لم تشاهد الجزء الأول، وبالتالي لم تتمكن من مسايرة أحداث الجزء الجديد أو في قول ٱخر الجزء المتبقي، بجانب عدم التطوير والتجديد من عناصر الرؤية والكتابة بما يتوافق مع الوقت الحالي، بل هو عمل قديم مُخزن، يفتقد تطوير عنصر الحكاية والإخراج، وبالتالي من الممكن أن يستشعر حتى جمهور العام الماضي أنه مكرر بلا تطور، لذا فهو قرار به خطورة كبيرة وضرر للعمل نأمل أن يكونوا الصناع على دراية كافية به، وعلى قدر من تحمل نتائجه.
أما «العتاولة» الذي لقى نجاحًا جماهريًا قويًا العام الماضي، ويعود فضل وجود جزء ثاني له، هو “آنية التصوير” أثناء شهر رمضان، وقياس رد فعل الجمهور، ومنها كتابة حلقات تمهد لوجود جزء جديد، مع تلك النهاية الكاسرة لكل حدود الجدار الرابع للدمج بين الإعلان والمسلسل، والشخصيات والممثلين، للتصريح بوجود جزء جديد، يستند على الدراما الشعبية، به عناصر تضمن نجاحه، مثل “تنافس الأشقاء، قصص الحب، تنافس العمل غير الشريف، والتوبة” وغيرها من عناصر الجذب، التي كانت تحتاج لمزيد من الحبك والتأني في كتابتها، حتى يقدم العمل شخصيات متماسكة قادرة على التصاعد والاستمرارية لأجزاء مقبلة، لأنه في جزئه الأول يستند بالأساس على تصميم “كاركتر” له هيئة شكلية مميزة، ولزمات كلامية، لا يمكن الصمود لها إذا بقيت على هذا الخواء الدرامي، وعدم التصاعد المتدرج والمنطقي.
إيقاف استنزاف الكبير أوي
وعلى الرغم من وعي الكتّاب في السنوات الماضية بماهية الأجزاء الثانية، إلا أنه ظهر في كثير من الأحيان استنزاف للنجاح، مثل «الكبير أوي»، الذي تخلى عنه هذا العام “أحمد مكي” ليقدم «الغاوي» بإدراك ووعي، أنه لابد من التوقف، وإن استنزاف الافيه والكاركتر، هو استنزاف للجمهور في جلب ضحكات رغمًا عنه، ليتحول المسلسل العام الماضي لمجرد “ريلز” أو “كومكس” على مواقع التواصل الاجتماعي، تفقده ماهيته بصفته عمل فني. وهذا إدراك حميد، يجعلنا ننتظر «الغاوي» هذا العام بخاصة أنه خارج الإطار الكوميدي. ونظرًا لعدم توفر البرومو الخاص بالعمل إلى اليوم، فبحسب الملخصات التي يتم تداولها عنه، يبدو إنه يتضمن رحلة صعود شاب، وعادة ما يميل الجمهور إلى هذه الثيمات، التي تتسع لتتبع العقبات والخذلان وعادة ما تنتهي بنجاحات وأمل جديد، داخل إطار شعبي محبب أيضًا، حيث تستهدف الدراما الشعبية قطاع كبير الجمهور، ولذلك يتمسك بها بعض المخرجين أيضًا كل عام.
مناطق الأمان والسير مع الأفق
الأجزاء الثانية لم تكن وحدها هي أعمال استثمار النجاح، بل من الممكن أن يقدم مخرج عمل داخل إطار بيئة محددة، يحمل البطل صفاته نفسها، ولكن بمسلسل مختلف. هذا يندرج ضمن أفق توقع المخرج، كما هو الحال مع أعمال محمد سامي، الذي يملك إطارًا عامًا ثابتًا يسير فيه. ورغم بقاءه داخل دائرة التوقع ذاتها، لا ينتظر الجمهور منه كسر هذا الأفق بقدر ما يترقب أسلوبه في التشويق وبناء العوالم التي يحبها.
تتبع هذه العوالم عادة، بطل متحرر من السلطات، يمتلك عالمه الخاص، يتعرض لغدر الأقربين، يتمتع بصفات الجدعنة والشهامة، وفي الوقت نفسه قادرًا على أخذ الثأر، بجانب تطعيم الأمر ببعض من رحلات الصعود، أو رحلة بحث عن شيء، أو شخص قريب، بجانب الكثير من المبالغ الضخمة والملايين المُلقاة أمام عين المتفرج، وإنهاء الحلقات كافة على عنصر تشويقي.
إذا تابعت حلقاته الأولى، لابد لك من التورط واستكمال الحدث، حتى وإن كنت على مستوى تكافؤ ودراية بالأحداث وفقًا لخبرة مشاهداتك السابقة للمخرج ذاته، فهو لا يريد أن يكسر هذا الأفق، بل يضمن نجاحه من توقعاتك وحفظك لأسلوبه.
لذا يتواجد سامي هذا العام بعملين «إش إش» و«سيد الناس»، وربما يعلم الجميع قدرات سامي المحدودة إخراجيًا في تصميم الكادر، وتصويره للفضاءات والشخصيات، وعدم الاهتمام بالعمق، وتدريب الممثل الذي يستند على “الأوفر أكتنج” والتسلسل المحفوظ، إلا أن هناك قطاع من الجمهور لا يحتاج إلى الكثير من كسر الأفق، بل الوقوف في منطقة محايدة مع أعمال يعرفها جيدًا يسبب للبعض نوع من الراحة في سماع الحكاية، دون الالتفات لعناصر الصورة، ومنطقة أمان لمعرفته بأحداث إذا فاته بعض حلقاتها لم يتضرر حدسه، هو فقط يريد التسلية والتشويق، وهي عناصر لا يمكن إنكار جودتها داخل أعمال سامي، ربما لتفردها فلا منافسة في أعماله على أي عناصر أخرى، فربما رحلة «إش إش» تتلاقى مع رحلة «لؤلؤ»، و«نعمة الأفوكاتو»، ويبقى في كل الأحوال لبطل سامي صفاته بين «جعفر العمدة» و«البرنس» و«الأسطورة»، التي لا حصر ولا عدد للعناصر المشتركة بينهم.
وبالمناسبة العنصر المشترك الأول، أن يكون العمل باسم البطل، بصفته قائدً للدراما يدير عالمها بما يتناسب مع كل ما يفتقده رجل الشارع المصري من قدرات تجعله يحب البطل ويدعمه ويجد نفسه فيه، وهذا ودون الإسهاب خطاب متصدر اليوم بكثرة حتى على مستوى الأغاني، باستقطاب بطلًا متحررًا من السلطات قادر على التحقق والصعود يمتاز بالشهامة والجدعنة، حتى يرى المتلقي فيه ذاته، بينما هو يفتقد إلى أغلب صفاته بالفعل، ولكن لمس احتياجات الجمهور للتماهي مع صور يريد الانسياق معها، هو ذكاء لا يمكن إنكاره، وربما هو شيء على غرار رحلة «جودر» داخل عوالم الحكايات، التي تضمن استمراريتها، ولكن هذه المرة هي رحلة المتلقي داخل حكايات سامي، مع فارق الجودة. ولكن مع ضمان الاستمرارية..
قوالب لا نهائية
بما أننا مازلنا داخل القوالب ضامنة النجاح، فلا يمكن نسيان “أحمد العوضي” في «فهد البطل»، في محاولة لمواكبة هذا النوع، الشعبي، الذي يتصدره بطل، يحمل العمل اسمه، بل وصفته فهو “فهدًا وبطلًا” أي مثال للقوة والمعارك والرجولة السامة بالتأكيد، يتسم بكل صفات الذكورية المحببة لرجل الشارع، إضافة للقوة البدنية المفقودة لدى كثيرين، وجمعها هي الصفات “العوضية” المتكررة في أعمال أحمد العوضي ونسبة له،
مع الحفاظ على هوية الممثل أو القالب الذي وضع نفسه داخله حتى يضمن بقاء شخصياته الدرامية داخل السياق الرمضاني.
ودون الإمعان في عمل واضح من البرومو يتكئ على عناصر “سامية”/ نسبة لمحمد سامي -رغم أن المخرج هو محمد عبدالسلام- لضمان النجاح، تبرز فجوة أخرى قد تؤثر حتى على الممثل نفسه. إذ يجد بعض الممثلين أنفسهم عالقين داخل شخصياتهم، غير قادرين على الفصل بين الواقع والتمثيل، مما يدفعهم للسير داخل القالب نفسه، حفاظًا على أفق التوقع، دون محاولة كسره، حتى ولو بالسلب. وبعيدًا عن مدى تأثير ذلك على حياتهم الشخصية – فهذا شأنهم – إلا أنه من الصعب تخيل أحمد العوضي خارج إطار “الفهد” أو “الخديوي”، فقد أصبحت هذه الصور الذهنية مرتبطة به تمامًا.
وكذلك هو الحال عند ذكر اسم غادة عبدالرازق، فلا يمكن تذكر صورة ذهنية سوى “الكوين” صاحبة الردود القوية، السيدة المتسلطة، القادرة.
ويقع الضرر الأكبر في هذه الحالة على الجمهور، من السير داخل قوالب لا حصر لها، فهو لم يشاهد ممثل متنوع ومخرجين متنوعين، بل قالب محمد سامي، وقالب العوضي، وقالب غادة عبدالرازق، ليتسق مع الصورة الذهنية لكل شخصية أرادت قولبة ذاتها، وتحجيم قدراتها التمثيلية، أو الإخراجية، وعدم اكتساب قدرات ومهارات فنية أعلى، متلونة، ربما تفيد هذه القوالب الممثل والمخرج المتواضع، لكنها تضر بعبدالرازق وتحجم قدراتها، خاصة أن لها سابقة أعمال متنوعة منذ بدايتها. فالجمهور يحب مشاهدة قوتها المصطنعة في البرامج، لكن بناء عمل وفقًا للصورة التي تحنطت داخلها، يضر بالعمل، لأن أساسه هش، يُكتب للقالب، وليس للتطور الدرامي والبناء المُحكم.
ربما استشعرت النجمة هذا الفخ، لكنها في الوقت نفسه لم تكن قادرة على كسره، لتقف هذا العام على الحياد، بين الحفاظ على قالب شخصيتها التي حصرت نفسها داخله، ولكن مع إثارة ضجة حول عملها «شباب امرأة» حيث الإدراك والوعي التام بأن الجمهور يقدر الأعمال القديمة ويعتبرها بمثابة مقدسات لا يمكن المساس بها، بل ويقدس الزمن الماضي باعتباره أفضل، وأي اقتراب منه ما هو إلا دمار للتاريخ، لذا لعبت عبدالرازق وطاقم العمل هذا العام على إثارة الضجة من هذه المنطقة، مع ارتضاء وضع المقارنات، بين القديم والجديد، لإثارة جدل يعيد المتلقي لها من جديد، وأيضًا دون مخاطرة بالتخلي عن سياق السيدة القوية المستبدة، أي تجديد مزيف، فقط يلفت الأنظار للعمل، وبالتأكيد لا يمكن إغفال أن نقل عمل من بيئته وزمانه، يتطلب تقديم الجديد، فكما استغل سابقين الذكر «صباح الخير يا زوجتي العزيزة» و«عالم عيال عيال» لخلق مساحات أوسع تتسق مع الزمن الحالي، بل وكان هناك قراءة لمد الخط على استقامته للتجديد والتطوير، فلابد أن صناع عمل «شباب امرأة» يكونوا قد وجدوا في الفيلم خط رئيسي يتسع تطويره وفقًا لآليات الزمن الحالي، وإلا سيبقى تقديم العمل ما هو إلا إثارة ضجة ومقارنة فارغة دون سبب درامي واعي.
قوالب تدعي التغيير
يضعنا مصطفى شعبان هذا العام أمام قالب مُسستر أيضًا، بتقديمه «حكيم باشا». ». بداية الأمر، هو يسير على نهج المسلسلات التي يحمل عنوانها اسم البطل مقرونًا بصفة تدل على العظمة، تمامًا كما كان الحال مع «فهد البطل»، حيث إنه يُدعى حكيم باشا، وتدور في فُلكه كافة الأحداث. ومن الواضح بالإعلان التشويقي أن العمل يدور داخل بيئة الصعيد، ويتمتع البطل بسلطان ونفوذ وتحرر من السلطات أيضًا، فهو “الباشا” بشكل ما، يحكم عالمه ويسيطر عليه، سواء أكان عادلًا، أو ظالمًا، أو اضطر للظلم بعد كثير من العدل، وهكذا، بجانب الحفاظ على الجزء الخاص بشخصية “زير النساء” وتكالب النساء حول شخص حكيم، والحفاظ أيضًا على ذكورية الأجواء.
إذًا فهو قالب لا يختلف عن سابقيه، ولا يختلف بالأساس عن أعمال مصطفى شعبان طوال كافة الأعوام الماضية، بخلاف كونه داخل بيئة صعيدية، وبخلاف أيضًا «ملوك الجدعنة» بصفته بطولة مشتركة بينه وبين عمرو سعد، لكنه لم يخرج أيضًا من إطار البطل الشعبي، لذا فهو قالب مُستتر يدعي التغيير، لكنه يسير في سياق الحفاظ على القوالب المضمونة، فثنائية “ملوك الجدعنة” إذا تم تفكيكها، ستثمر عن “حكيم باشا، وسيد الناس”.
وأخيرًا «وتقابل حبيب»، بطولة ياسمين عبدالعزيز، وكريم فهمي، الذي يحمل هذا التغيير المُستتر أيضًا، فبعد كثير من قولبة ياسمين عبدالعزيز داخل إطار الدراما الشعبية مع أحمد العوضي، تأتي محاولة التغيير بإعادة إنتاج لمسلسل قدمته من قبل منذ ٥ سنوات. تسير الأحداث على غراره بين الخروج من علاقة قديمة للدخول لعلاقة جديدة للقاء حبيب جديد، يكتبها بنفسه مرة أخرى عمرو محمود يس، ويقوم ببطولتها الممثلين أنفسهم، لذا فهي محاولة تحرر من القالب، لكنها محاولة مكررة، نأمل أن ينقذها أي عناصر جذب أخرى.
كسر الأفق وإدراك الاخفاقات
وبعد كثير من القوالب والأجزاء الثانية وصناع في منطقة الأمان، دعونا نذهب لنوع آخر من مناطق الأمان. فكما رصدنا أعمالًا تسير وفق توقعات المشاهد، حيث يمكنه استنتاج الأحداث أو على الأقل مسارها العام، ما يخلق شعورًا بالراحة لدى الطرفين: الصانع والمتلقي، هناك في المقابل صُناع أعمال يحظون بثقة الجمهور ويعتبرون بمثابة ختم جودة وذلك للتنوع في كسر أفق التوقع، وهذه النوعية تستهدف شريحة أخرى من الجمهور، المائل والمستمتع بهذا الكسر.
يأتي في أوائل قائمة صناع كسر الأفق المخرج تامر محسن، حيث لا قالب يمكن وضعه به، فبين «هذا المساء»، و«تحت السيطرة»، و«لعبة نيوتن»، و«بدون ذكر أسماء» وغيرهم، لا يمكن وضع المخرج في قالب محدد، بل على النقيض، انتظاره يعني التجديد والتطوير، وكسر الأفق. والكسر هنا لا يضمن بالضرورة الإبهار، بل فقط محاولات التجديد المستمرة، وهذا في ذاته منطقة أمان، لوضوح الجدية والتنوع.
وإذا كان لتامر محسن أعمال ناجحة، ومنضبطة دراميًا وإخراجيًا، فقد عُرض له مؤخرًا، قبل السباق الرمضاني، مسلسل «فقرة الساحر» الذي افتقد الجودة الإخراجية والدرامية، وتخلله الكثير من الإسهاب في الوصف والفرعيات افقد الحبكة مسارها، ولم يكن قادرًا إخراجيًا على توجيه ممثليه بالقدر المطلوب للشخصية وبخاصة علي قاسم، حتى طه دسوقي بدا في أضعف أدواره.
ولكن هذا في ذاته كسر لأفق التوقع، حيث أثناء بناء تامر محسن عقده الضمني مع الجمهور بتقديمه أعمال تستحق المشاهدة، كان في كل عمل يكسر أفق التوقع بعدم تكرار ذاته أو محاولة لاستنزاف نجاحاته، أو الثبات على كرو عمل محدد، وجميعها عناصر كافية لكسر أفق التوقع لأقصى مدى. ورغم أن هذا الكسر قد يكون إيجابيًا أحيانًا وسلبيًا في أحيان أخرى، فإنه يظل سببًا كافيًا لاستمرار متابعة أعماله، سواء للاستمتاع أو حتى للإحباط من كل كسر على حدة.
والآن، مع عودته إلى السباق الرمضاني عبر مسلسل مكون من 15 حلقة فقط، وعودة مي عز الدين بعد غياب في ثنائي مع آسر يس، داخل برومو لا يستهدف كولاج من المشاهد، بل مشهد وحيد، جذاب في موقفه الدرامي، وبوستر هادئ ينم عن دراما خالية من البطولة الشعبية للدخول في عالم أهدى، نأمل أن يكون أكثر إتزانًا، ويحقق كسر الأفق الذي لا يتطلب بالضرورة تقديم الخوارق، بل التجديد والتطوير والبناء المُحكم يكفي.
بطولات نسائية
على غرار الـ١٥ حلقة، والوعي مؤخرًا بأهمية هذا النوع القصير، الذي يسمح بعرض عدد أكبر من الأعمال، وعدم الاضطرار لتضمين الحلقات أحداث لا أهمية لها لسد الفجوات الدرامية على مدار ٣٠ حلقة، تأتي بطولة مشتركة بين “نيللي كريم، روبي، كندة علوش، وجيهان الشماشرجي” بمسلسل «إخواتي»، تأليف مهاب طارق، وهو مؤلف قادر على كسر أفق التوقع، نظرًا لعمله تحت مظلة أكثر من مخرج، مقدمًا في كل مشروع أسلوب مختلف. فعمله مع محمد سامي أثمر عن شخصيات البصمة الأوضح فيها للمخرج لا للمؤلف، بينما في تعاونه مع عبدالعزيز النجار وضحت شخصيتهما معًا في «لحظة غضب» العام الماضي”، بينما لم يتمكن كليًا من رسم ملامح الشخصيات المجاورة لشخصية البطل في مسلسله الأشهر «حالة خاصة» واعتمد اعتماد كلي على شخصية البطل في رسمها وبنائها، مما يبشر بصفته مؤلف لم تتحدد هويته بعد، لكنه قابل للتطوير إذا انضم لبيئة عمل بها مخرج وممثلين على قدر من الجدية.
لذا فالتعاون مع المخرج محمد شاكر خضير، صاحب «تحت الوصاية» و«في كل أسبوع يوم جمعة»، يبشر بعمل مهم مبنية شخصياته وأحداثه على تكافؤ وتدرج منطقي، بجانب وعي نيللي كريم بضرورة انضمامها مرة أخرى لبطولة جماعية بعد «١٠٠ وش» وتخبطها على مدار سنواتها الماضية بعده، أو بالأحرى بعد الخروج من عبائة المخرجة كاملة أبو ذكري، التي ربما تجد ضرورة فنية في تجريب مخرجين جدد والخروج من منطقة الأمان، بل وقياس مدى نجاحها الحقيقي وعدم الإصرار على تقديم بطولات فردية إذا كانت العوامل المحيطة بها لم تساعدها على ذلك.
هذا الوعي الذي لدى نيللي كريم يُحسب لها في مقابل آخريات لم ينتبهن لمدى ضرر البطولة المطلقة عليهن، مثل مي عمر، وذكرها داخل السياق لا ينفي حرفية المخرج في جذب المتلقيين لها، لكنه في الوقت ذاته لم يؤكد على تطور أدائها التمثيلي، وكذلك روجينا، صاحبة بطولة مطلقة منذ سنوات، بل وإصرار مبالغ فيه رغم عدم الالتفات لأعمالها كل عام وتيهة العمل بين أقرانه، حيث لمعت روجينا للغاية في إطار الدور الثاني، وتلونت بين كثير من المخرجين، لكنها تعاملت مع البطولة المطلقة بتحدي أفقدها أهميتها في الأدوار الثانية، ولم يجعلها أيضًا إلى الآن نجمة وبطلة مطلقة، تحقق نسب مشاهدة عالية، وكذلك حنان مطاوع، ليست بصفتها بطلة أو دور ثاني، بل بصفتها ممثلة مكررة للدور ذاته البطلة المظلومة، المحاولة لإثبات البراءة، ويظهر ذلك الخط أيضًا في مسلسلها «حياة أو موت» الذي لا يختلف عن أعمالها السابقة، من ثيمة مشابهة.
فعادة إذا تم الاعتراف المطلق بموهبة ممثل/ة، لابد من الوضع في الاعتبار تنوعه في الأداء التمثيلي، وليس الجمود والثبات في منطقة دون تجديد يضر بموهبته. هذا النهج تتبعه ريهام عبدالغفور، صاحبة التنوع الأكبر والموهبة الأهم في ذكاء الاختيار. فلا يمكن لأي متلقي التوقع منها كممثلة الدور الذي ستقوم به أو حتى الملل منها، بجانب عدم انشغالها بالبطولات المطلقة، فيأتي مسلسها «ظلم المصطبة» هذا العام على غرار ١٥ حلقة أيضًا، داخل إطار البطولة الجماعية وبجانبها، إياد نصار، فتحي عبدالوهاب، وبسمة، مع الإشارة لعودة بسمة الحميدة مؤخرًا والتنوع بين دورها كزوجة ثانية العام الماضي في مسلسل «مسار إجباري» وسيدة الأعمال مؤخرًا في «فقرة الساحر» مع عدم الانشغال ذاته بالظهور داخل قالب أو تصدر بطولة مطلقة.
شباب وقضايا أطفال
لابد أن نتوقف أيضًا عند عصام عمر، والإشارة لبطولته المطلقة هذا العام في مسلسل «نص الشعب أسمه محمد». فعلى الرغم من معرفة الجمهور بعصام من خلال مسلسل بطولة مطلقة بالفعل وهو «بالطو» إلا أنه لم يمانع من البطولة المشتركة العام الماضي مع أحمد داش، ولم يخف أيضًا من البطولة المطلقة في السينما مؤخرًا، وهو ممثل يستحق هذه المساحة بالفعل على أمل التنويع في أداءاته واستثمار موهبته دون تحجيمها بإطار خانق، بصفته فخ وقع فيه كثيرين قبله.
كما أن العمل يبدو مبشرًا لأنه يدور في فُلك عائلي وحول إشكالية شبابية عن الزواج، وتحت قيادة مخرج عبد العزيز النجار، الذي شارك في كتابة أعمال مثل “مين قال، وبيمبو” تمهد بوجود العنصر الشبابي شكلًا ومضمونًا. مع الأمل والرجاء من الممثلة رانيا يوسف بتقديم أداء يتسق مع الشخصية دون استسهال، كما ظهرت في أعمالها الأخيرة التي بدت فيها باهتة دون أداء يخص الشخصية، لكن يبقى الأمل لأنها قدمت من قبل أعمال تألقت فيها مثل «موجة حارة» و«السبع وصايا» و«أفراح القبة» وغيرها، ويبقى الاعتماد على هذا العنصر في يد المخرج أولًا وقبل أي شيء.
وفي سياق الدراما الشبابية، يقدم كل من أحمد مالك، وطه دسوقي مسلسل «ولاد الشمس»، ضمن ثيمة الأصدقاء المتكاتفين الذين يواجهون خصمًا مشتركًا، قبل أن ينقسموا في منتصف الأحداث ثم يعودون للوحدة من جديد. فهي ثيمة مُتكررة، لكنها مشوقة وتعتمد في أساسها على بناء التفاصيل وليس الإطار العام المعروف، بجانب وضوح السعي التام لتنوع اختيارات طه دسوقي تحديدًا ومحاولات اكتسابه مهارات تثقل موهبته مع كل اختيار.
وعلى غرار العناصر الشبابية، لابد من الإشارة لاهتمام الدراما مؤخرًا بعنصر الأطفال أيضًا، بل والوعي بأهمية مشكلاتهم والقضايا الخاصة بهم التي لا تقل أهمية عن قضايا ومشاكل الكبار، فبجانب إخضاع كثير من شخصيات الكبار إلى التحليل النفسي لمرحلة الطفولة والاهتمام في الكتابة بهذه المرحلة ومحاولة إثراءها، تأتي مسلسلات تهتم بقضايا الأطفال كل عام بين التنمر والتبني والوصاية وفرط الحركة، وعلى ما يبدو أن مسلسل «لام شمسية» هذا العام يقدم هذا النوع من الاهتمام الذي يعتبر محوره الأساسي طفل بجانب أسماء لنجوم آخرين مثل “أمينة خليل، ومحمد شاهين” ولكن تبقى القضية هي عنصر الجذب الأول لرصد مراحل تطور الاهتمام بقضايا الأطفال على شاشة التلفزيون بين كل عام وآخر.
وأخيرًا، لا يسعنا أبدًا رصد كافة أعمال الموسم، لكنها تبقى نظرة بانورامية سريعة تستند على خبرة المشاهدات السابقة، تتضمن ترشيحات غير موجهة، وبالتأكيد سيتخللها التغيير والتطوير خلال شهر رمضان بأكمله، مع الإشارة الدائمة على أحقية الجميع في التوقع، وأحقية تطوير الرأي أيضًا والاعتراف بأسباب التغيير إذا تطلب الأمر ذلك. فالتوقع لا يعني الحكم المُسبق، بل يعني “التوقع” بصفته ومعناه الواضح والمشروع.