باع كانتين المدرسة الورود الحمراء مغلفة بكيس بلاستيكي شفاف، وقد دُبس على أطرافه ورقة مربعة من الكرتون المقوَّى باللون الأزرق، مرسوم عليها قلب أحمر صريح. اشتري الوردة في فبراير احتفالًا بعيد الحب، واشتريها في مارس احتفالا بعيد الأم، وأهدي كليهما لأمي. اعتدنا الاحتفال بكل الأعياد بالورد الأحمر البلدي.

الحقيقة أنني أقتني الورد البلدي الأحمر والزهري، التيوليب الأبيض وزنبق الوادي بسبب ودون سبب. أزرع حاليًا عباد الشمس فوق سطح منزلي بعد أن فشلت محاولتي في زرع الياسمين الهندي. الأزهار تعبر عن الحب. الأشعار تعبر عن الحب. لا تنفك شاشتنا السينمائية عن التعبير عن الحب، وإن اختلفت الرؤية من طاقم عمل لأخر والجمهور من جيل لجيل. اهتم شخصيًا بالأعمال المصرية الرومانسية، الكلاسيكي منها والمتقدم، لأنها تلتقط الحب على الشاشة كما أتخيل في خاطري وأتجرأ -أحيانًا- على الكتابة.

كيف يُصور الحب في أفلامنا؟

إذا جئنا لتحليل بنية الحب بيولوجيًا واجتماعيًا، فنحن لا نختلف عن الحيوانات عكس ما نروج لأنفسنا. أضفنا، مع التطور، بعض الرسميات واللوائح الأخلاقية المقبولة اجتماعيًا لكي تميزنا عنهم. نتج عن ذلك مفهوم “جواز الصالونات” على سبيل المثال. فيحضر نوع الحب التقليدي في أفلام مثل، «موعد على العشاء» حيث تزوجت نوال (سعاد حسني) من عزت (حسين فهمي) وهو رجل الأعمال المتسلط والزوج الجاف عاطفيًا، لكنه يمتاز بالنفوذ والمال والجاه، أي يميل لاستحسان أي أسرة تقليدية. لكن الحب أكثر من اجتماعيات مطورة رُسخت بالوراثة. بيولوجية الحب تطرح معزوفة متكاملة من المواد الكيميائية في المخ، تتفاعل وتغمرنا الناقلات العصبية مثل الدوبامين والأوكسيتوسين في نشوة غرامية تلو الأخرى. لذلك حين نحب، يدرك جسمنا الحب قبل ما يدركه وعينا، فتهرول نوال إلى شكري (أحمد زكي) حيث دق بابها الحب الرومانتيكي.

ولا أعني بذلك أن الحياة العادية هي حياة طاردة للحب، أو منفرة له، بالعكس، تُعزف السيمفونية العصبية في عقلي نوال وشكري في الخلفية وهما يشتريان الخضار والبقالة من السوق، وهو يمشط شعرها ويبتكر تسريحة جديدة، يحكي عن أحلامه، يطبخان، يأكلان، يشربان. يقع الحب في خضم بساطة الحياة العادية. حالفهما التوقيت والمكان إلا أن غرامهما لا يدوم. يتناول «موعد على العشاء» مواضيع متنوعة في قضايا المرأة، لكنه يمسي -في حدود نقاشنا- فيلمًا عن هزيمة الحب.

عما أتحدث؟

اكتب مقالتي تيمنًا بعيد الحب، وهي التي يفترض تسليمها قبل عشية الفالنتين، اكتب عن الحب في الوقت ذاته الذي امتنع فيه عن الحب. سخرت مني الحياة صدفة بأن توكل لي مشرفتي هذا المقال دون غيره. أحبذ التفكير بها كالآتي؛ أول ما قرأت لي كان عن تفاصيل علاقة سابقة وفيلم شاعري في مطلع الألفية، وهي الآن على معرفة أعمق بي وتظن أن رهافة حسي قد تلمع في مقال كتلك.

أعصر عقلي بحثًا عن فكرة موضوعية، وأشدد على نقطة الموضوعية لكي أتجنب حكي حياتي العاطفية الغنية مقارنة بعمري. أستطيع الإدلاء، أني حبيبة بالفطرة! وهذا شيء كارثي لأن معرفتي العاطفية تأتي أولاً من السينما، تالي لها خبراتي العلائقية. نهمي للسينما لا يختلف كثيرًا عن نهمي للمواعدة، لكني سأدع تلك الصدفة داعي زيارة أكثر الأفلام الرومانسية التي أثرت فيّ.

إن الجمهور العام -كنت يومًا منهم- عادة لا يأبه إلا بطاقم الممثلين والممثلات والحبكة الدرامية بينهم على خلاف المتخصصين\ات الذين يعيرون انتباههم إلى باقي طاقم العمل من مخرج ومؤلف ويحللون الفيلم في ضوء المواضيع التي يعالجها.

مع ذلك وللأسف، تشكل الأفلام تصورات الجمهور العام عن كل مواضيع الحياة، وأولها الحب، الصداقة، الطموح والعمل… إلخ. لذا وجب التساؤل: ما نوعية القصص الرومانسية في الأفلام؟ وما التصورات التي تخلقها لدى الناس؟

الحب.. كما في الأفلام

1. العشق الممنوع:

لا داعي للإطالة في الشرح. هي العلاقة التي يُرتأى فيها الأمان ولو في بطن الحوت. يروّج صناع الأفلام الدرامية الرومانسية لفكرة تجاذب الأطراف المتناقضة؛ يحبوا بعض، يتجوزوا، يعيشوا في تبات ونبات ويخلفوا صبيان وبنات. فيلم «خلي بالك من زوزو» على سبيل المثال، تنجذب زينب (سعاد حسني) وهي راقصة استعراضية بنت العالمة ألماظية إلى سعيد (حسين فهمي) المخرج المسرحي ابن الباشوات في السبعينات. تلهث انفاسها يوميًا على درج بيتها في حي إمبابة آملة في الترقي اجتماعيًا بما يسنح لها وظيفة وفرصة آمنة للحب. يحب أحدهم الأخر وتنتصر قصتهم مقابل الواقع.

يصبح هذا التناقض رومانسيًا للغاية، يدفعك كمتلقي على تشجيع هذه العلاقة وتمني نجاحها بأي شكل. إنه تحدٍ عاطفي ومثير، يخلق إحساسًا بأن حبهما قوي لدرجة أنه يتجاوز أي عائق ويتمرد على كل الأصول. (رمسنة التمرد فخ وقعت به في مراهقتي مرارًا). لعبة مطاردة “الواد التقيل”، تجاهل العواقب، التضحيات الدرامية، كلها جوانب تسمح للجمهور بتجربة العواطف الجياشة بشكل غير مباشر، مما يوفر إحساسًا بالتنفيس عن المشاعر، ويمكننا أن نعيش شغف الشخصيات ونضالها دون الحاجة إلى مواجهة الواقع. انخراط الجمهور بعمق في مصائر الشخصيات، سواء كانت النهاية مأساوية أو سعيدة، يربطه بنوعية هذه القصص، حيث أن الرحلة العاطفية مُرضية مهما كانت نهايتها.

يشترك المخرج حسن الإمام والسيناريست صلاح جاهين في إعادة تقديم نفس النمط المستحيل بعد ثلاث سنوات في فيلم «أميرة حبي أنا» تأثرًا واقتباسًا من المجموعة القصصية «المرايا» للأديب الراحل نجيب محفوظ.

احتفظ الفيلم بالبطلين سعاد حسني وحسين فهمي وعدد من ممثلي الأدوار الداعمة، كما احتفظ بالطبيعة الغنائية الاستعراضية للفيلم. ولا زال التلفزيون يحتفي بشم النسيم بأغنيته الشهيرة “الدنيا ربيع”. نعم، أشاهد التلفزيون حتى الآن. ارتبطت أسرتي بالسينما والتلفزيون ارتباطًا وثيقًا، فليس لدينا اشتراك نتفلكس مثل كثيرين. بلى، أفضل التقليب في المحطات الفضائية وأنا أتغدى كل يوم بعد العمل.

لمحت في طفولتي الكيمياء المسرحية الساحرة بين البطلين، وفي الخلفية، معاكسات أمي وخالتي المستمرة لـ”عادل” والتحسر على جمال “أميرة” الذي هُدر. لكن هل يوجد وسيلة أجمل وأرق من الموسيقى للتعبير عن الحب؟

الموسيقى كانت الرابط والفاصل في آنٍ واحد بين عالم الأفراح والموالد وكلية الآداب لزوزو وسعيد، وبين العالم البيروقراطي الرتيب لعادل وأميرة. تسمو الموسيقى فوق الحوار، فتمنح الألحان مساحة للتعبير عن المشاعر المركبة التي يعجز الحوار بمفرده عن الإفصاح عنها. انتصرت أميرة من الغنوة الأولى، حين اصطحبت عادل إلى رحلات الهيئة، واقتربت من الموظفين، لكن خلف صوتها، تتردد خيبة أملها وربما شعورها بالإهانة وهي تطل على الشقة المفروشة.

في كل الأحوال، كلاهما دار حول الترقي الاجتماعي في عوالم مختلفة، وساهم العنصر الموسيقي في إضفاء شاعرية على القصة في المرتين. ومع ذلك، كان الصراع في «أميرة حبي أنا» صراعًا إنسانيًا أخلاقيًا أكثر منه اجتماعيًا طبقيًا، يسهل التجاوز عنه للبعض منا. فالخيانة في كل السياقات ذميمة حتى لو كان الطرف الذي يتعرض لها يستحقها. فتغيب الموسيقى تمامًا حين ينكشف أمر عادل وأميرة أمام “شرارة بيه” وابنته والهيئة بأكملها، ولا تعود حتى المشهد الأخير بعد أن تقنعها والدتها بالعفو عن عادل واللحاق به. مشهد كامل دون حوار، فقط المزيكا تبدد الأمل من جديد في قصتهما.

حكت الموسيقى الحدوتة ونجح الفيلم، ولم أشعر قط بالذنب نحو “أماني شرارة النحال”، وبررت التجربة السينمائية فكرة الخيانة.

2. هزيمة الحب

انجذبت سعاد حسني في العقد التالي لسطوع نجمها استعراضيًا إلى هزيمة الحب، وهو ما يتزامن مع طلاقها من المخرج علي بدرخان، وما يدعوه البعض الأخر انطفائها فنيًا. أقربهم إلى قلبي فيلمي «موعد على العشاء» وسبق أن تحدثت عنه، و«حب في الزنزانة».

تفتح هذه الفئة الدرامية -التي ابتدعتها للتو- أبواب المدرسة الأدبية الواقعية على مصرعيها، فينتصر أصحاب النفوذ أمام غلب الأحباب وصدق وجدانهم. لذا يطرح صلاح عبدالسلام (عادل إمام) تساؤله عن فائدة الحب وهو الآن غارق حتى شوشته في غرام ذات المنديل الأخضر.

“أنا كنت فاكر إن الحب مسألة نزاهة ومنظرة.. التعبان في عيشته مايجلوش قلب يحب.

دلوقتي فهمت إن اللي ظروفه صعبة يحس بالحب أكتر من اللي ظروفه مستريحة.

يعني أنا مثلًا مع كل الضيق اللي أنا فيه دا وحبيت!”

التقصي عن ماهية الحب لن يؤدي بنا إلى ابتداع تعريف جديد يغلب طبيعته المركبة، فيكفي أن نحدد وظيفته في سياق الفيلم. هنا، الحب يساوي الأمل في النجاة. وهو أيضًا الرغبة الملحة، الفضول، في التعرف على الأخر وإيجاد صحبة في مواجهة المصير.

يتبدل منديل فايزة (سعاد حسني) من الأخضر إلى الوردي في لقائهم الأول خلال تبادل أقفاص العيش على أعتاب سجن النساء حيث تشوش الكاميرا وتغدو ضبابية حتى تلتقي أعينهما وتدلهم قلوبهما، ليغيب تماما مع زيارتها الأولى له في السجن بعد الإفراج عنها.

بالرغم من قلة حيلتها إلا أنها جريئة تتحدى الواقع، تطمح في تغيير الظروف وتبرئة حبيبها حتى يفرج عنه ويحظيان بحياة سويًا. هذا هو أملهم البسيط. ينحتن في كل صخرة تقذفها الحياة في طريقهما حتى يُردما تحت الأنقاض. قد تكون “فايزة” هي نفسها نتاج لأوهام الحب التي يتبناها الناس بسبب الأفلام الرومانسية مثل التوقعات غير المنطقية بأن الحب ينتصر بنهاية المطاف، لأنه الإجابة لكل سؤال، المنقذ، المطهر، الحل السحري.

3. الحب الناجم عن الاعتياد

يروج صناع الـ ROM/COM إلى أفلامهم بأنها خفيفة الظل، تطرح موضوعات سهلة التناول بشكل لا يُحمل جمهوره عناء الصراعات الأخلاقية وصحوة الضمير على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. هذه أفلام غرضها ‘الفرفشة’، ومن منا لا يستحق الانفصال عن الواقع والفرفشة ولو لساعتين؟

«غريب في بيتي» فيلم كوميدي ذات طابع رومانسي عن أرملة ولاعب كرة صعيدي مبتدئ يقعا في يد مالك شقة نصاب باع لهم نفس الشقة بنفس الوقت. تعرف فئة الأفلام من هذا النوع بـ”Forced Proximity”، أجبرتهما الظروف الديموجرافية على هذا القرب، ومع العشرة الناجمة عن الاعتياد نما الحب بينهما.

بالغ الفيلم في تبسيط تعقيدات موقف كل منهما وتغاضى عن خطورة وجود غريب في بيت أرملة، وغرابة تربية رجل لابن شريكته من زوج سابق. من ناحية أخرى، وفق في تعزيز بعض الأدوار النمطية للأحباء في العلاقات العاطفية، فتوجب على شحاتة (نور الشريف) رفض السفر إلى الخليج وإيجاد وظيفة حقيقية في مصر حتى يعول عفاف (سعاد حسني) وابنها في مصر.

لم يهدف لمعالجة أية نقطة بجدية، بل اضحاكنا والتفريغ عننا.

4. الفرصة الثانية

على الصعيد الأخر، يحاول بعض الصناع الاقتراب إلى الواقع قدر الإمكان. ما أقرب للواقع من المحاولة والخطأ والألم المصاحب لهذه التجربة؟ في «الباب المفتوح» وهو فيلم مقتبس عن رواية لطيفة الزيات، نرى ليلي (فاتن حمامة) وهي تفشل في محاولتها الأولى في الحب حين يخيب ظنها في ابن خالتها التي أحبته. بناءً على ذلك، تُضرب عن الحب وتفقد إيمانها به وتوصد أبواب قلبها. قبل أن يطلب منها حسين (صالح سليم) أن تفك ذلك الحصار عن روحها، حثها أن تقترب إلى نفسها وتعرف من تريد أن تكون عليه.

تساهم أعمال من هذا النوع في خلق صورة أكثر إنسانية عن الحب العاطفي. نحن بشر، نخشى الألم اللاذع إلى درجة تفاديه خشية تكراره، لكن يؤكد «الباب المفتوح» أن أخطاء الماضي لا تحدد المستقبل بالضرورة. يحتاج المرء منا مساحة آمنة للنمو، وهذا تحديدًا ما يسعى حسين في منحه إلى ليلى، فتصبح حكايتهما مساحة للتأمل في فكرة التسامح والتخطي كوسيلة للتعافي من الجروح السابقة، والتأكيد على أن البشر قادرون على التعلم، والنضج، والتحول إلى شركاء أفضل، بما يعزز الإيمان بإمكانية التغيير الإيجابي في العلاقات.

عادة ما توفر الفرص الثانية إلى نفس الشخص مرتين، أي العودة إلى حبيب سابق وغفران ما بدر منه، أما في هذا السياق احتاجت ليلى أن تغفر لنفسها وتسمح بفتح الباب الموصود. أما على المستوى الشخصي؟ حسين هو فتى أحلامي؛ رقيق، محب، مثقف، مثابر، مكافح، يدفعني لأن أكون نفسي، ولو خالف ذلك تصوّره عني.

المسألة برمتها مسألة توقيت. لم أعد أرى في الحب منقذًا ولا عدوًا لأترفع عنه. يدندن “هوزير” في إحدى أغانيه بأنه مفعم بالحب بالكاد يستطيع أن يأكل. وأنا مثله، أفيض بطاقة الحب حتى تسربت إلى محيطي بالكامل، لتعلمني درسًا. فطنتُ إلى أن العطاء الواعي له حدود، وأن الحب لا يختلف عن البستنة، يحتاج إلى ريّ بقدر معين، حتى لا تغمر نباتك حد الإغراق.

5. مثلث الحب

المثلثات لعبة أُعجبت بها فاتن حمامة وشاركت فيها عدة مرات مثل «صراع في الوادي»، تلاه «صراع في الميناء»، ثم كسرت نمطها المألوف في مثلث «الخيط الرفيع». أكثر الأمور تشويقًا في العلاقات ثلاثية الأبعاد هو التخمين المستمر الذي يقوم به المشاهد لأي كفة قد ترجح الميزان، من تختار البطلة؟ أي نجمين يبدو شكلهما أجمل سويًا وقصتهما أكثر قناعًا؟ قد يعكس اختيار كل ثنائي تفضيل خاص لصاحبه أو جزء من قصته الشخصية.

يبدو الاختيار سهلًا في «صراع في الوادي» قصاد شر الطرف الثالث رياض (فريد شوقي) الأشبه بالعدو، أما في ثاني مرة تتأرجح الكفتين حتى تثقل كفة رجب (عمر الشريف) مقابل ممدوح (أحمد رمزي) مع أني شخصيًا انسى نفسي واندمج وأعيد التفكير في اختياري. هكذا، تدفعنا المثلثات إلى الاستثمار الذهني في الحبكة واستكشاف أنواع مختلفة من العلاقات الرومانسية. قد يمثل أحد الحبيبين الاستقرار والراحة، بينما يجسد الآخر الشغف والإثارة، وعليك التفكير باختيار البطل\ة واختيارك الشخصي.

على الجانب الأخر، قد يتحول الصراع العاطفي إلى رحلة لاكتشاف الذات. يضطر الأبطال إلى مواجهة رغباتهم وقيمهم الخاصة مؤديًا إلى نموهم الشخصي حتى لو كان في اتجاه مغاير لأمنيات المتلقي. تتحول فاتن من الحبيبة الوديعة إلى امرأة ناضجة في «الخيط الرفيع»، تبادر وتخطط وتبدل ضلوع مثلثها حتى يستبدلها اختيارها بغيرها في مثلثه الخاص بالرغم من تمنيات الجمهور أن يعدل قراره ويتبع قلبه.

أشعر بالحصار حين يلاحقني اثنان في نفس الوقت، كأنها منافسة شرسة لا يعلم أحد بوجودها ولا يقع ضحايا بها غيري. مع ذلك، ترسب المثلثات أمنية إنسانية، أن يشعر الشخص أنه محل إعجاب الكثير، ولون من الحزن حين لا تقدم واحدة من الاحتمالات فرصة وافية تقود إلى المحطة المنشودة.

أعلم أن سعاد وفاتن طرفا النقيض لهذا الجيل، لم يجتمعا في كادر سينمائي واحد بالرغم من الاحترام التي كنته كل فنانة منهما للأخرى. وبينما نمت حبيبات غيرهن في نفس الجيل مثل شادية، ونادية لطفي وغيرهما، لكني أجدني أجمع في داخلي بين شق من سعاد وآخر من فاتن، ولو أن الظاهر عني يرجح كفة سعاد. حتى أن تقاطع كتاباتي مع سيرتي الذاتية مؤشر على ذلك.

تذكر، نعرف عن فاتن التحفظ لأنها تُعلمك ما تريد أن تُعلمك أياه فقط لا غير. بينما سعاد الحبيبة المناضلة ذات العينين الجريئتين، حتى حين تهزمها الظروف، لا تزال تستشعر قواها الداخلية وسط الحطام. أما فاتن، فهي الحبيبة الخجولة أحيانًا، المترددة، الحريصة دون تزمت. أحب التفكير أنني أجمع بينهما.

الحقيقة أني كبرت على الحب بوصفه فكرة عذبة لها شكل واحد ولون واحد يطيب الجروح ويعوض الناقص. لكني عرفت ما أعرفه عن الحب من السينما وسيظل تقديري لهذه المعرفة النبيلة عاليًا، إلا أني لست نفس الشخص الذي كنت عليه في أول مشاهدة ولا ثانيها. تبدلت تصوراتي عن الهوى تماما ولو أنه مازال غير مألوف لأي ست أن تُمسي برفقة حالها دون غراميات كأنه عيب، لكن هذا ما يدلني عليه قلبي إلى حين إشعار آخر.

 

مشاركة: