كتبه: محمود حسن عبد العليم

في عام 2013 صدر الفيلم الأمريكي “ذا برج” أو “التطهير” الفيلم الذي كنت أحمل له الكثير من الأمل بسبب فكرته الفريدة، استطاع أن يُلقى بآمالي عرض الحائط، حقق الفيلم نجاح جماهيري معقول شجع صناعه على عمل ثلاثة أجزاء أخرى منه بل وفى لحظة كتابة هذه السطور يتم عرض أولى حلقات المسلسل الذى يحمل نفس الاسم أيضاً.

فكرة فيلم “ذا برج” تقوم على أن هناك قانون قد صدر فى الولايات المتحدة يتيح للمواطنين ارتكاب أي جريمة يريدونها وذلك فى يوم واحد فقط من كل سنة حيث يسمى هذا اليوم عيد التطهير

فى عيد التطهير متاح لك أن تستخدم كافة أنواع الأسلحة حتى الدرجة الرابعة أى أن المسدسات والسكاكين والرشاشات مسموح بها أما القنابل فلا، فى عيد التطهير متاح لك أن تقتل .. أن تسرق .. أن تغتصب حتى، وذلك حسب القانون الذى أصدره حزب الأباء الأوائل ونتيجة لهذا اليوم فقد قل معدل الجريمة فى بقية أيام السنة وكذلك انخفض المعدل السكانى مما أتاح للمواطنين العديد من الفرص والموارد.

أظن أن من يقرأ هذه السطور، وتتكون لديه فكرة عن هذا الفيلم سيذهب بخياله إلى مناطق عدة من الممكن أن تناقشها فكرة الفيلم الرائعة، لكن دعنى أفاجئك بالحقيقة فالفيلم برغم هذا الإطار المذهل إلا أنه يتحدث عن أسرة عادية يتم الهجوم على بيتها من قبل مختلين فى عيد التطهير، وهنا السؤال

ما الذى يجعل هذا الفيلم مختلفاً عن أي فيلم رعب رخيص شاهدته من قبل، الإجابة لا شيء فالفيلم الذى كان من الممكن أن يُصبح أفضل أفلام الإثارة فى العام انتهى به المطاف كفيلم “هوم انفيشن” أو “غزو منزلى” رخيص، هو فقط استخدم فكرة عيد التطهير كمبرر لحبس الأسرة فى المنزل لكى تدور كل الأحداث بداخله.

لعلك تسأل ما علاقة ما اتحدث عنه، بمسلسل “غول ” الموجود بالعنوان، والإجابة أن العلاقة قوية جداً فنحن أمام مأسآة أخرى من نفس النوع، فالمسلسل الذى أصدرته نيتفلكس منذ عدة أيام ليكون ناطقاً بالهندية بعد النجاح الذى حققه مسلسل “سكارد جايمس” أو “العاب مقدسة” يسير على خطى”التطهير” بمنتهى الدقة.

“غول” يحكي عن واقع ديستوبي تمر به الهند، والديستوبيا هي عكس اليوتوبيا تماماً فإن كانت اليوتوبيا هى المدينة الفاضلة التى ينعم كل من فيها بالحرية المطلقة، فالديستوبيا هى واقع تعيش فيه مقيد بمجموعة من القوانين التى وضعها حزب أو جماعة لمصلحته، ممنوع التفكير أو القراءة ربما ممنوع سماع الموسيقى أيضاً ، لأن التفكير أو القراءة من شأنه أن يجعلك تتسائل لماذا تعيش هذه الحياة وبالتالى ستفكر فى الثورة وهذا ما لايريده الحزب، ربما يذكرنا هذا بمسلسل “ذا هاند ميدز تيل” أو “قصة خادمة”.

إذاً فى مسلسل “غول” والمكون من ثلاث حلقات من شأن هذا الاطار وهذه الفكرة ان تنبئك بأنك على موعد مع مسلسل من العيار الثقيل مسلسل سيفجر بداخلك العديد من التساؤلات والافكار ، ولكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً فقد انتهى بى المطاف أشاهد فيلم رعب رخيص، يحكى عن بنت تحاول الهرب من وحش فى مكان مغلق.

الثلاث حلقات هى بمثابة فيلم إثارة صنع بإحكام، يفاجئك أحياناً ويخيفك أحياناً أخرى، الحالة التى استطاع المخرج باتريك جراهام صنعها هي حالة جيدة جداً ملائمة لجو المسلسل فقط ليس إلا، ولا يمكنك أن تتوقع منه أكثرمن ذلك.

المسلسل يحكي عن واقع ديستوبي كما قلنا، الحكم فيه لمجموعة أشخاص استطاعوا فرض حكمهم على الأغلبية، منعوهم من القراءة والكتابة وحتى سماع الموسيقى، الفكرة العامة تأخذنا إلى قصة أكثر خصوصية وذلك عندما توشى محققة فى الحكومة بوالدها فور اكتشافها بأنه يقوم بتدريس منهج مختلف عن المنهج الحكومى للطلاب فى الجامعة، الفتاة والتى تدعى نيدا تظن أنها بهذه الطريقة تحمى والدها حيث أن الحكومة ستستطيع تهذيب مبادئه وتغيير طريقة تفكيره ونظره للأمور.

حتى الأن لدينا قماشة درامية جيدة جداً وغنية من الممكن أن تخرج لنا مسلسل من العيار الثقيل، لكنك ستتفاجئ عندما أخبرك أنه ما حكيته للتو هو بمثابة 10 دقائق على الشاشة فسرعان ما يتم أخذ والدها وسرعان ما يتم تعيينها فى وحدة سرية خاصة بالتحقيقات ليبدأ من هنا فيلم الرعب المبتذل، حيث تكتشف أن قائد التنظيم الإرهابي التى تحقق معه ملبوس بجن قديم من التراث العربى، ويبدأ هذا الجن فى الإنتقام من الضباط واحد تلو الأخر إلى أن تنتهى طبعاً الحلقة الأخيرة بالتويست العظيم الذى يتوقعه كل من له باع فى هذه النوعية .

المسلسل كما قلت من الناحية التقنية جيد للغاية، التصوير في أبهى صوره، الأداء التمثيلى رائع برغم أنك لن تشعر بأي تعاطف تجاه الأبطال، لأنك بالفعل لا تعرفهم، لا تعرف دوافعهم .. لا تعرف أى شئ عنهم وكذلك المونتاج جيد للغاية والموسيقى موظفة فى دورها الصحيح.

لدينا كل العناصر التى تستطيع تكوين مسلسل جيد، إلا عنصر واحد وهو الأهم “السيناريو” تشعر بالغضب كثيراً عندما ترى فكرة فى غاية الروعة يتم قتلها وهدرها على يد المعالجة السيئة ويزيدك غضبا أيضاً عندما ترى كم البروباجندا التى يأخذها هذا العمل من الكثيرين لمجرد فقط ان التويست استطاع ان يتركهم فاتحين أفواههم من الدهشة وهذا هو المدهش بحق.

“غول” مسلسل رعب كان من الممكن أن يصبح أكثر من ذلك لكنه تم قتله على يد صناعه، وكذلك هو درس فى الدعاية التى تستطيع أن تجعل “الفسيخ” شربات..!