كيف يمكنك أن تكون إنسانًا طبيعيًا بعد الحرب؟ بعد الدمار؟ كيف يمكنك أن تنسى أو تتعافى لتشعر بمذاق الغُريّبة وتسير في الحديقة مع فتاة تحبها؟
إنها رفاهية لا تملكها، ولا حتى تتمناها. يمكنك فقط أن ترويها ككذبة لطمأنة أمك العجوز، بينما آثار الندبات لا تزال تنبش في كل حواسك.

في أثر الأشباح، يتبع حميد، الذي ينضم إلى مجموعة سرية مكرسة لتعقب قادة النظام السوري الفارين من العدالة. تأخذه رحلته إلى فرنسا، حيث يسعى للعثور على جلاده السابق، مما يؤدي إلى مواجهة متوترة ومؤثرة.

بملامح حادة وعيون مرهقة غلبها الأرق والحزن والدموع إثر تعذيبه وفقدان أسرته في سوريا، يخوض حميد رحلته في البحث عن عدوه. يحسب خطوات أقدامه التي كان يسمعها، ويشم رائحة عرقه، ويتحسس كل التفاصيل التي عاشها هو وآخرون في سجن صيدنايا.

جسد الممثل آدم بيسا ببراعة نموذجًا حيًا من خزانة قصص الحرب التي لم تنتهِ بعد. كان الألم يعتلي جبينه بوضوح، وترسم تعابير وجهه ما صنعته به الحرب. يدرك دكتور الأدب تمامًا أنه لم يعد يصلح لشيء سوى تتبع مجرمي الحرب، فقد أصبحت الأشكال الشعرية غير ملائمة له.

“هل الشخص الذي تراه أمامك يصلح للحديث عن الأشكال الشعرية؟”

كان هذا سؤال حميد لمحاميه حين حصل على فرصة عمل جديدة، مما يجعلك تتساءل معه عن أمور عديدة: كيف يمكننا التأقلم بعد الموت؟ كيف يكون هناك أمل بعد أن نفقد الأحباب والوطن؟ ربما كانت النهاية سلمية أكثر من اللازم، حتى وإن دعت إلى المحاولة والتأقلم. ومع ذلك، تلعثم حميد وتوتر، وأصبح غير قادر على المبادرة وبدء الحديث، فقد بات لا يستشعر طعم أي شيء.

كان السيناريو الذي كتبه جوناثان ميليت، وشارك في كتابته فلورانس روشا وسارة ويكلير، محكمًا ببناء جيد وأحداث تصاعدية تجعلك جزءًا من رحلة البطل وصراعه، تنتظر العلامات وتبحث عن الأدلة، مع حوار رشيق وذكي للغاية. كشف بعذوبة مطلقة عن آلام حميد وهشاشة الجميع بعد الحرب.

يُعد أثر الأشباح أول عمل روائي طويل للمخرج جوناثان ميليت، وهو فيلم يتسم بقدرة لافتة على التحكم في الأحداث وإبقاء المشاهد مشدودًا إلى القصة. رغم أنه يستند إلى عناصر مألوفة من قصص الجاسوسية ومطاردة المجرمين، إلا أنه يتميز بحرفية عالية ورؤية واضحة.

تمكن ميليت من سرد القصة ببساطة وإتقان وقدّم لنا تجربة سينمائية فريدة تستحق الإشادة والتأمل حيث اعتمد في إخراجه على تصوير سلس ومونتاج دقيق مع موسيقى تدفع الإيقاع للأمام وتصميم صوتي يعزز الشعور بالتوتر. ورغم استخدامه لعناصر إثارة تقليدية، يركز ميليت على الوضوح والبساطة، مبتعدًا عن التعقيدات السردية التي قد تشوش القصة. هذا الأسلوب يُبرز اهتمامه بتجربة البطل وجعلها محور الفيلم، مما يضيف عمقًا حقيقيًا لأحداثه.

مشاركة: