طرح جزئين من الفيلم نفسه في عام واحد يُعد أمرًا لافتًا للنظر. فقد عُرض الجزء الأول من «الحريفة»، من إخراج رؤوف السيد، في بداية عام 2024، ولم ينتهِ العام إلا بطرح الجزء الثاني، وهو «الحريفة 2: الريمونتادا»، من إخراج كريم سعد. وقد كتب إياد صالح سيناريو الجزئين.
حافظ الفيلم على أبطاله الرئيسيين: نور النبوي، أحمد غزي، عبدالرحمن محمد، سليم هاني، أحمد بحر كزبرة، ونور إيهاب. هذه التوليفة الشبابية ساهمت بشكلٍ كبير في نجاح الجزء الأول، لكنها لم تكن العامل الوحيد الذي لفت الأنظار إلى الفيلم. فعلى الرغم من أن البطولة تعود لمجموعة شبابية تخطو خطواتها الأولى في السينما، فإن للفيلم مقوماتٍ أخرى ساهمت في نجاح جزئه الأول، وألهمت صُنّاعه لإنتاج جزءٍ ثانٍ سريعٍ يواكب النجاح السابق.
الحكي والحفاظ على طرق السرد
يُفتتح الجزء الثاني على مشهد لوجود ماجد (نور النبوي) في بيئة مختلفة عما تركه فيها الجمهور سابقًا، لكنها تتشابه كليًا مع افتتاحية الجزء الأول من حيث وجود شخصية ماجد في مكان مختلف عن بيئته ومن ثم فلاش باك يسرد فيه سبب وجوده هنا. حيث لعب عنصر الحكي في الجزئين معًا توطيد العلاقة بين المتلقي والفيلم، في استشعار واضح بأن هناك علاقة صداقة ينتج عنها الحكي، فالأحداث لم تُسرد تباعًا فقط، بل هناك سارد لها لأصدقاء من الجزء الأول كانوا مجرد مشاهدين، أما في الجزء الثاني توطدت العلاقة بينهم وبين الفيلم وهم على دراية بالشخصيات وطبيعة بنائها، وبالتالي يعزز عنصر الحكي هنا تلك العلاقة، حيث يقوم الفيلم في أساسه على وجود حالة صداقة حقيقية تعتبر في ذاتها عنصر جذب نظرًا لحميميتها دون ميلودرامية، يتمنى الكثير من المتفرجين أن ينتمي لمثل هذه “الشلة الجدعة”، وبالتالي تأكيد حالة الحكاية جزء من تقليص المسافة بين الجمهور والفيلم.
مفردات ثابتة ومستمرة
بجانب علاقة الأصدقاء، قوام الفيلم بالكامل يقوم على “لعبة كرة القدم”، تلك اللعبة التي تحوي في جعبتها مفردتين رئيسيتين “التكاتف، والتنافس”، التكاتف وروح الجماعة بين فريق الأصدقاء، والتي دائمًا ما يؤكد عليها الفيلم، والتنافس بين فريق الأصدقاء وآخرين سواء كانوا فرق أخرى منافسة، أو عوامل دخيلة من شخصيات أو مواقف محاولة إشاعة الفُرقة بينهم. ومنها سعى الجزء الثاني أن يعزز مشاهد التنافس، وذلك بخلق أزمات درامية جديدة محاولة هدم شمل الأصدقاء، بدخول عوالم مختلفة عليهم، وظهور مفاهيم واردة لعالم الحريفة، بجانب الفرق المنافسة بالتأكيد، والتي يعمل الإخراج فيها على تقديم مباريات كرة قدم حقيقية، بالاستعانة بالمونتاج لاختزال مدة المباراة الواحدة، لكن في الوقت نفسه تستشعر بأنك حقًا تشاهد مباراة كاملة، وبالتأكيد لأنك لم تعرف إلا فريق الحريفة طوال أحداث الفيلم بين صعوبات ونجاحات وبناء شخصيات تجد نفسك بالطبع تشجعهم وتتمنى لهم الفوز، ليجذب الفيلم بطريقة ذكية محبين كرة القدم، ومن هم غير ذلك أيضًا نظرًا لذلك التعايش مع الأبطال المذكورين.
وبجانب التنافس والتكاتف، يضع الفيلم في اعتباره مفردات “الطموح، والحلم” ليقدم رحلة صعود، وبالتأكيد هذه الرحلة تحتاج إلى معوقات كي تأخذ طابعها الشاق غير السهل. وفي الوقت نفسه تحتاج إلى حافز لتحقيقها.
صعود وهبوط الطبقات الاجتماعية
تظهر المعوقات بالفيلم بين “جماعية، وفردية”؛ تنطلق المعوقات الجماعية للحريفة دائمًا في الجزئين من الاختلاط بطبقات مختلفة، حيث نقطة انطلاق الجزء الأول تكمن في لحظة دخول ماجد عالم المدرسة الحكومية، والنزول في الطبقات، لم ينشغل الفيلم بتبريرها وكتابتها بشكل محُكم، لأن الأسباب ما هي إلا أداة تقود للحدث الرئيسي، وهو دخوله عالم الحريفة، وبالتبعية يتحقق للمرة الثانية عنصر الاختلاط بطبقات مختلفة، ولكن هذه المرة بدخول الحريفة عالم الجامعات الخاصة، أي عالم ماجد السابق، وللمرة الثانية لم يهتم الفيلم بشكل كبير بتوضيح ورسم دقيق لدخول الشباب هذه المنحة الدراسية، هي فقط معلومة تلقى في مشهد كي نتتبع أثرها الأهم عليهم.
وبينما كان اختلاط الطبقات في الجزء الأول هو المُشكل والعامل الرئيسي لتأسيس فريق الحريفة، كان الاختلاط هذه المرة هو المُشكل والعامل الرئيسي لإشاعة الفُرقة بين فريق الحريفة، مع التأكيد بنمطية شديدة على فساد عالم الأغنياء في مقابل حميمية وجدعنة الطبقة الشعبية، ولكنها تبقى نزعة متسقة مع الفيلم، لأن نجاحه بالأساس قائم على عدد أكبر من الممثلين الشباب الذين يمثلون انتمائهم للطبقة الشعبية، بجانب أن حل العقدة الدرامية دائمًا ما يلجأ لإعادة التكاتف وعدم الانحراف عن البيئة التي اجتمع الشمل بها بأصولها وحميميتها، لكن على الرغم من ذلك فالفيلم لم يعلو فيه النبرة الذكورية ذات النمط الشعبي التقليدي في السينما والدراما، بل وحاول في الجزء الثاني تعزيز ذلك أيضًا بانضمام شخصية لانا (نور إيهاب) لفريق كرة قدم نسائية، والتشجيع لها من قِبل الحريفة، لكنها تبقى محاولة غير مكتملة لم تحقق التوازن المطلوب.
كما أن الفيلم يعتمد كليًا على خطوط أبطاله الرئيسين، لدرجة اختفاء عنصر “العائلة” كليًا من الجزء الثاني، ورغم أن ذلك ربما ساهم في تعزيز الجو العائلي بين أفراد الفريق، إلا أن الشخصيات في المُنتج الجديد افتقرت للمرجعية الأسرية. بالإضافة إلى أن ظهور باقي الشخصيات بخلاف ضيوف الشرف جاء على هامش الأحداث، وبخاصة شخصيتي سارة وشيرين (دونا إمام، ونورين أبو سعدة)، فكل منهما تنتمي إلى طبقة الأغنياء في الجامعة، الأولى تساهم في إشاعة الفُرقة بين الحريفة، والثانية مساندة وداعمة، في محاولة لعدم إدانة الطبقة بأكملها، والسعي للحيادية التي تعدل كفتي الميزان، مثل عنصر لعب لانا لكرة القدم النسائية، لكن كل من هذه الخطوط والشخصيات لم يأخذ مساحته بالقدر الكافي، لينتهي الفيلم ولم تتضح ملامح شخصية سارة ولا شيرين كليًا كشخصيات درامية مساهمة في مجرى الأحداث، وكذلك دافع لانا نحو تغيير لعبتها المفضلة بوضوح وتفصيل أكثر.
ما بين «كاجولوه» و«عمي وعم عيالي»
يذكرك «الحريفة» باختياره للمعوقات الجماعية في درامته “دخول الجامعة”، بفيلم «صعيدي في الجامعة الأمريكية» إخراج سعيد حامد عام ١٩٩٨، ذلك الفيلم الشهير الذي تأثر به شباب الألفية في بدايتها، بل وساهم في ظهور نجوم كثيرون للساحة، ودون الإسهاب في أهمية هذا الفيلم في تاريخ السينما المعروف، وبطولته الشبابية، التي تتشابه مع الحريفة، وغيره بالتأكيد من الأفلام، إلا أن خط إقحام عنصر مختلف داخل جامعة ذات طابع ومستوى محدد، يتماس بالتأكيد، بجانب المشهد الأشهر لشراء ملابس تليق بالجامعة لمحمد هنيدي على اغنية “كاجولوه” ليجد شباب الحريفة اليوم بعد مرور ٢٦ عامًا أن الطريقة الأنسب للانخراط داخل عالم الجامعات الخاصة -التي التحقوا إليها بمنحة أيضًا- هي شراء ملابس تشبه هذه الطبقة، ليظهر مشهد مشابهه ولكنه على أغنية لمروان موسى. هذا التناص في معالجة أزمات الأحداث يظهر بوضوح من خلال اختيار مكان محدد لتطوير الحبكة في هذا الجزء.
وعن “المعوقات الفردية” التي لم يغفل الجزء الثاني أن يكررها، ليتميز بها ماجد بوضعه في لحظة اختيار صعبة، بين مستقبله ومستقبل الفريق، سواء ما سبق باختيار سفره واحترافه، أو ما هو جديد من مرض مفاجئ يختار أمامه مستقبل الفريق ثانية.
ومثلما عزز الفيلم عنصر التنافس في جزئه الأول، لم يخل منه في الجزء الثاني بالتأكيد مادامت اللعبة ذاتها هي نقطة ارتكاز الحدث، لكنه حاول إلغاء كافة خصومات الجزء السابق لخلق خصومات ومنافسات جديدة، ولكن أثناء هذه المحاولات اسهب في مشاهد وشخصيات دون جدوى حقيقية، فوجود شخصية “شيرين” كمساعدة ومعاونة للفريق لم يثري الحدث في شيء، وانضمام اللاعب الأبكم للفريق لم يضف للحدث أي شيء سوى اسهاب في المشاهد ومدة لطول الفيلم، التي دائمًا ما كان ينقذها مشاهد اللعب والأغاني بصفتهما عناصر أصيلة ومميزة للفيلم، لكن ربما محاولات خلق التوازن بين الرجال والنساء، والأعداء والأحباء، والأغنياء والفقراء، لم تتحقق بقدرها المطلوب، بل أضرت الإيقاع في بعض الأحيان.
ومثلما انتهى الجزء الأول بتحقيق حلم “المليون”، انتهى الجزء الثاني بتحقيق “فوز” فريق الجامعة، ولكن. دائمًا وراء كل هدف سبب من الأساس، فسبب السعي للمليون كان لمساعدة الفريق لبعضهم البعض والترقي بالمستوى المادي، وسبب الفوز للفريق في الجزء الثاني هو استمراريتهم في الجامعة، لكن دائمًا ما ينتهي الفيلم على لحظات الفوز، لتعزيز حس الطموح والتحقيق الشبابي، دون الوصول لمرحلة تحقيق السبب الأساسي وراء الفوز، أو محاولة رصده، وبالتأكيد هي طريقة ذكية، تحمل روح الحماس وتحقيق الأهداف من جهة، وتستمر في إخفاء خطوط درامية من الممكن تطويرها لأجزاء تالية إذا كان في الإمكان ذلك.
أما عن الريمونتادا في النهاية فما هي إلا “كلمة تستخدم للاشارة إلى الفريق الذي ينجح في التعافي من تأخر كبير في نتيجة المباراة. وينجح في تسجيل الأهداف اللازمة للفوز” أي تحقيق الأهداف لا محالة، وهذا هو ما حققه الفيلم داخل الدراما وخارجها، وخارجها تحديدًا باللعب في منطقة الأمان، من الحفاظ على طريقة البناء والطرح كما هي، مع تغيير مسميات الأشياء، لكن يبقى البناء بكافة تفاصيله ملتزم ببنيته الناجحة السابقة، لتحقيق الهدف نفسه في شباك التذاكر. وكأنه بمثابة شوط ثاني للفيلم/ للمباراة، يعرف طريق النجاح فيعيد صياغته ليستثمره.